الاثنين، 23 نوفمبر 2020

روايح الناس

 


في يوم من شهر أغسطس والدنيا نار... ركب مؤمن المترو الصبح زي كل يوم وهو رايح الشغل.... فجأة شم ريحة عرق... بص جنبه لقى بنت في ثانوي جميلة وعنيها خضراء ومحجبة.... ابتسم وقال في نفسه : الحلو ما يكملش... وخد خطوة بعيد عنها عشان يبعد عن رايحتها.... مفيش لحظة كانت روايح العرق والشرابات وبواقي النوم بتزيد... لف حوالين نفسه لقى جنبه شباب في الجامعة وموظف وست في الخمسين... بعد عنهم... لكن الروايح قعدت تزيد... دور بعنيه على  اقرب شباك وبطنه بدأت تقلب... قدام الشباك لقى شاب شايل كيس فول وفلافل ريحته معبقة عربية المترو... بس محدش واخد باله...  حس بجوفه بيتقلب زي الخلاط.... حط ايده على بقه يمنع نفسه من الترجيع.... كتم نفسه... وعد من واحد لعشرة.... وراح على باب العربية ووقف مستني الباب يفتح في المحطة... اي محطة المهم يخرج من علبة السردين دي..... بص تاني على الناس في العربية وهو بيستعجب من البلادة اللي الناس صبحت فيها... لكن عينه انتبهت ان الناس بقوا من غير مناخير.... وشوشهم ممسوحة... الوش مفيش فيه غير عيون وبق... قال في نفسه: أكيد بيتهيألي.... انا بهلوس...
رفع إيده من على مناخيره وحطها على جبينه يشوف هو سخن ولا لا والباب بيفتح في  محطة كوبري القبة... لكن واحد عمل ريح.. رمى مؤمن نفسه بره العربيه وقعد يرجع على الرصيف... اتلم الناس حواليه... زاد احساسه بالقرف... ترجيع وهدوم مبلولة.... والناس مش حاسه..... وروايح اجسامهم زي الخراء....
مد عسكري الامن ايده له وقاله :انت تعبان يا بِلد؟
مد مؤمن ايده على طولها عشان يبعده وهو بيقول.... لا خالص انا كويس.... شوية برد ... في حمام في المحطة؟
هز العسكري راسه بيأس: فيه... بس ده بتاع الموظفين؟ بس في قهوة فيها حمام بره المحطة....
فكر مؤمن للحظة يخرج ويتكلف غرامة تذكرة جديدة.... هو عامل اشتراك... بس كله على حسابه.... هاجمته الريحة تاني فقام وسند على الحيطة... وبص للعسكري... كان من غير مناخير هو كمان.. اتسند على الحيطان لحد ما وصل للمكنة بتاعة الخروج... طلع المحفظة وخرج...
دخل حمام القهوة... غسل وشه واتمضمض ونضف القميص بالميه... وخرج وقف قدام القهوة وشه وقميصه مبلولين... كان متعجب من كمية الروايح اللي في الشارع وان الناس كلهم بقوا من غير مناخير... فكر شوية وبعدين قرر يروح البيت تاني وياخد اليوم اجازة
دخل البيت... غسل إيده... وقعد يشم فيها... فتح الحنفية تاني ومسك الصابونة وبدأ يغسل تاني..وقعد يتفرج على رغاوي الصابون وهي بتزيد وتغطي كفوفه... ابتسم وحس بارتياح من جواه... وخد نفس عميق عشان يشم رايحة الصابون فدخل في مناخيرة رايحتهم تاني... قال في نفسه : مفيش حاجة... الروايح دي في مخك انت بس...
شطف ايده بسرعة ونشفها وفتح باب الحمام.... لكنه مقدرش يمسك نفسه وقلع هدومه كلها وفتح الدش وفضل يدعك في جسمه بالليفة لحد ما جلده اتهرى واحمر وعيونه دمعت من الوجع...
خرج من الحمام بالفوطة.... طلع غيار وقميص وبنطلون.. شم فيهم ريحة النضافة..... لبس هدومه وقعد فتح التلفزيون... كانت المذيعة في بقعة صلصة كبيرة على صدرها ومن غير مناخير... قرف تاني وقف التلفزيون وقام قفل شباك المطبخ عشان الروايح اللي جاية من المنور... دخل استحمى تاني ونام ولما صحى لبس هدوم جديدة ونزل يروح المستوصف اللي جنب البيت حجز باطنة وهو قرفان من ريحة الاجزة والعيا... دخل للدكتور... حكى له اللي حصل... بص الدكتور على وشه وكشف عليه وبعدين قاله : هو انت بتاخد أدوية او حبوب بتاثر ع الحالة العقلية او بتعمل هلاوس
-لا طبعا... انا مش باخد اي ادوية... ولا ببلبع يا دكتور... انا مهندس كمبيوتر وبشتغل في مكان محترم...
- يكمن حد عمل فيك مقلب... حط لك حباية في الشاي مثلا
-انا صحابي ناس محترمة يا دكتور...
سكت الدكتور شوية ورفع حواجبه وزم شفايفه وبعدين قاله: بص يا استاذ مؤمن انت مفيش عندك مشكلة عضوية بالمعني الشائع... انا ح اديك عنوان دكتور نفسي شاطر والكشف بتاعه معقول... اتمنى انك تروح ومتعملش زي الناس الجهلة... وانا من ناحيتي ح اكتب لك حاجة للقئ... وشيل في جيبك اي ازازة بارفان تكون بتحب ريحته.... وكل ما تحس بانك شامم ريحة وحشة رش شوية على نفسك.
خبط الكلام في مؤمن واتصدم من فكرة انه ممكن يكون فعلاً عنده هلاوس ولا وسواس قهري... هز دماغة وعينه رغرغت بالدموع وقام ومعاه الروشتة...
روح مؤمن وهو بيفكر انه حياته كده انتهت.... كان عمال يخطط شهور ازاي يجهز البيت لما ياخد الولد والبنت من طليقته.... لو طلع مريض... لا هي ح تسيبهم له ولا هو ح يأمن على العيال معاه وهو عنده مرض نفسي... دخل الشقة وقفل على نفسه... وخد اجازة كمان يوم من الشغل وقعد يحارب نفسه ومشاعره بالقرف.. خلص ازازة البرفان وهو ماشي يرش على نفسه و في كل مكان...
بالليل راح عيادة الدكتور... حجز كشف وفضل يتفرج على العيانين لحد ما دوره جه دخل للدكتور وحكى له... فبص له الدكتور بدهشة وقاله : يعني انت شايفني من غير مناخير دلوقتي؟!!
هز دماغه وقال : ايوه يا دكتور
خد الدكتور نفس عميق وبعدين قال : بص يا مؤمن... واسمح لي اقولك مؤمن كده من غير استاذ... اصل شكلنا ح نبقى أصحاب...(وضحك ضحكة سخيفة خلت مؤمن يقفل منه) الجسم البشري متصمم انه يطلع طول الوقت روايح.. عرق وبكتيريا في المعدة والفم وغازات.... وطول الوقت كمان مناخيرنا مؤهلة انها تشم كل الروايح دي.. بس احيانا عقلنا بيعملها delete... او بيخبي الروايح دي عشان نعرف نعيش.. زي كده لما تروح عند حد مربي قطة او كلب.... انت بتشم ريحة القطط في كل مكان في البيت... لكن هوه ما بيشمهاش... رغم أن مناخيره بتلقط نفس الروايح اللي انت بتشمها... ده اللي بنقول عليه الاعتياد... انت فقدت الاعتياد... ده ممكن يكون بسبب مشكلة في المخ.. وسواس قهري او بارنويا... او فصام...... مش مشكلة دلوقتي... ح نعرف مع الوقت... المهم انك بقيت بتشم كل حاجة ودي مشكلة...
- طب والحل يا دكتور
-الحل شوية ادوية... بس انا عندي سؤال.. انت مش بتشم رايحة جسمك انت كمان.. اكيد جسمك بيطلع روايح زينا... حتى لو كنت الوحيد فينا (زي ما انت شايف) اللي عنده مناخير....
سكت مؤمن شوية وقعد يفكر... وبعدين قال : مش عارف... تصدق يا دكتور... كلامك خلاني افكر ان ممكن اكون طول الوقت كنت بشم ريحة جسم أنا....
ضحك الدكتور بسخافة تاني وقاله: لا ده كده مرض ثالث او عاشر.... خلينا مركزين على ان الناس هي اللي ريحهم وحشة.. بس نحط في اعتبارنا اننا مش احسن منهم....
ساب مؤمن عيادة الدكتور وراح صرف الأدوية من الاجزخانة وهو مش عارف المفروض يعمل ايه في حالته دي... بس وهو ماشي انتبه ان مناخيرة ما بقتش شامه ريحة لناس بس... بقى قادر يشم ريحة عرثة والشراب اللي نسي يغيره النهاردة... ومكنش قرفان... سلم امره لله وقال لنفسه : خلاص... اتعامل مع نفسي على اني عندي السكر ولا الضغط... وانا مش احسن من الناس.... وبعدين الواد والبنت لازم يرجعوا يعيشوا معايا.... انا مش ح ينفع اسيبهم.... هما اهم من روايح الناس.
وقف تاكسي وركب جنب السواق  وهو سرحان وحزين على نفسه.... لكن مفيش دقيقة التاكسي فرمل والتفت له السواق وقاله : ايه ده انت عندك مناخير..... يعني انا مش لوحدي... وفضل يكلم نفسه ويخبط ع الدريكسيون.....
- مد مؤمن ايده في جيبه وطلع الورقة اللي فيها عنوان الدكتور وعطاها للسواق... وقاله : الدكتور ده كويس قوي... روح له ح تبطل تفكر في روايح الناس و ح تشم ريحتك انت... وساعتها ح تتعود....
تنح السواق وهو باصص في الورقة وقاله : بس انا شايفك وانت شايفني... يعني احنا مش عيانين يا بيه... هما اللي عيانين....
فضل مؤمن ساكت وباصص قدامه.... كان خلاص ارتاح وصدق ومكنش عايز يشوف او يسمع حد يرجعه تاني للي كان فيه.... كان بيفكر في مكان المكان اللي الولد والبت ح يذكروا فيه لما يتنقلوا عنده في البيت........
فضل السواق واقف شوية وبعدين طلع بالعربية وفضل ساكت طول السكة.... ولما وصلوا بص في وش مؤمن وهو بياخد منه الحساب... كان مؤمن خلاص خف من مرضه وبقى من غير مناخير

الجمعة، 20 نوفمبر 2020

وجع الضهر ووجع القلب

يحكى أن كان في سلحفاة .... كل يوم الصبح تشيل صدفتها على ضهرها وتخرج تسعى في أرض الله تدور على ورقة شجر طرية ... عود أخضر نابت في الأرض .... لكن لأنها سلحفاة كان الطريق اليومي ده بيأخد منها ساعات وساعات من المشي البطئ .... فاليوم يضيع في وجبة واحدة ... وعشان كده كانت لما توصل لأقرب حتة فيها زرع أخضر ومياه تفضل تأكل وتشرب لحد ما تصيبها التخمة ... فترقد مكانها تتفرج على الملكوت وتستعجب من عظمة الكون ... كانت تفضل متكومه بالساعات جوه الصدفة ... يادوب عينيها اللي باينين .... كانت السلحفاة بتتفرج على الدنيا وتستعجب من قدرها ... كل خلق الله رايحين جاييين يجروا ويتفسحوا ومستمتعين بحريتهم في الجري والتنطيط وهيه متقيده في الصدفة زي المجرم اللي متسلسل ... بقت تبص للسماء وتقول ... يارب ... يا خالق النجم والشجر والبحر ... أنا مش معترضه على قضاك ... أنا طلبي تلهمني بالرضا بحالي .... أنا مش فاهمة وحزينة .... كل خلقك أحرار وأنا محبوسة في صدفتي وخوفي .... الخلايق كلهم بيجروا شمال ويمين وأنا بمشي بالزق ..... أنا راضيه يا رب بنصيبي من الدنيا وقابله بحكمك ... بس طمن قلبي بالرضا ....
مرت سنين وكل يوم على الله تطلع السلحفاة مع شروق الشمس تسعى على لقمتها وتفضل لحد الليل واقفه تبص للسماء مستنية أشارة وتدور في قلبها على الرضا بحكم الله .... لكن مفيش ... فتشيل نفسها وترجع لبيتها مع المغيب .... تكوم نفسها وتنام حزينة ومقهورة لحد الصبح ....
وفي يوم عدى عليها فار صغير لسه مولود .... كان كما حباية العنب ... بيجري ويتنطط في كل مكان ... شافها فوقف وسألها : أنت مين ؟!
بصت له السلحفاة وأبتسمت : أنا عمتك السلحفاة ؟!
بص الفار النونو عليها وقال بإستغراب : وأيه الحجر الكبير اللي على ضهرك ده يا ست سلحفاة ...؟!
- ده ضهري بيوجعني ووارم يا فار يا نونو ....
زعل الفار الصغير عليها وطبطب عليها وقالها : أنا زعلان عشانك يا ست سلحفاة ... أنت جميلة وطيبة قوي مش زي الثعبان الشرير ولا البومة المخيفة ... أنا بحبك يا ست سلحفاة ...
ومن يومها صبحت السلحفاة والفار أصحاب ... كل يوم يتقابلوا ويتكلموا ... كبر الفار الصغير وصبح فار شاب ونسي طفولته وبقى بيزهق من الست سلحفاة اللي بتمشي خطوة وتقف عشرة وبتتكلم بالقطارة وتسرح بالساعات ... فقال في نفسه: أنا شاب عايز أجري وأحب وأتفرج على الدنيا والسلحفاة دي بتضيع وقتي .... صحيح أنا بحبها ... لكن جوايا طاقة ورجولي عايزة تجري وسناني عايزة تقرقض ....أنا ح أرجع لها بين وقت ووقت أطل عليها ....
وراح الفار ومرجعش .... حزنت السلحفاة وبقت تبص للسماء وتقول : يعني يارب حتى لما ألقى صديق أحبه وأتونس بيه يسبني ويرحل لجل قضاك .... قضاك قاسي وأنا قلبي لسه مش راضي ....
وتمر السنين والسنين .... وفي يوم الفار كان ماشي بعد ما كبر في الغابة .... ف لاقي السلحفاة مروحه بيتها .... وقفها وسلم عليها كما الأغراب وقالها ... حق عليه يا صحبتي بس أنا كنت فار شاب ... والفيران ربنا خلقها تعشق تجري وتتنطط ... لكن خلاص كبرت وبقيت حكيم وعرفت أن الدنيا مش جري وتنطيط ... تعالي نقعد نتقابل كل يوم زي زمان .
بصت له السلحفاة وقالت : أنا كمان يا فار بحب الجري والتنطيط .... عمري ما كنت حكيمة ...وفي العمر أنا لسه شابة ... غير بس وجع الضهر من تقل الصدفة ....
طبطب الفار اللي كبر وبقى حكيم على الصدفة وقال لها : يبقى أحنا أتقابلنا في الوقت الغلط .. خليني أشوفك في المكان بتاع زمان بين وقت والتاني .. وأفتكري ديما أن الصدفة التقيلة اللي واجعة ضهرك دي زي ما هي متقله خطوتك وحجزاك جواها ... هي كمان بتحمي ضهرك ...العريان...
ولف الفار يفرجها على ضهره اللي كان متشرح من مخالب وعضات وبعدين قال لها : كل حاجة لها تمنها يا شابة ..... خلي بالك من نفسك
أبتسمت السلحفاة وبعدين بصت للسماء وقالت : دلوقتي بس يا رب تبعت لي رسالتك ؟! بعد وجع السنين والحزن والوحدة .... تطلع الحكمة أني كده عايشة في أمان من عض ومخالب ؟! طب ووجع القلب يا رب مش عض ومخالب برضه...
طبطب عليها الفار وقال : عندك حقي يا صحبتي وجع الجسم يهون بالحرية ... لكن وجع القلب المحبوس ملوش علاج ... وبكى وسبها ومشي ...

وبعد أيام مات الفار بالعجز وفضلت السلحفاة كل يوم تروح تأكل وتشرب وترجع تنام لكن لا عمرها رضيت ولا أرتاحت 

روايح الناس

  في يوم من شهر أغسطس والدنيا نار... ركب مؤمن المترو الصبح زي كل يوم وهو رايح الشغل.... فجأة شم ريحة عرق... بص جنبه لقى بنت في ثانوي جميلة ...